حذرت دراسة من خلل محتمل بالدورات الطبيعية للعناصر الأساسية المغذية للتربة الزراعية بسبب الجفاف، ما يهدد قوت نحو ثلاثة مليارات نسمة، يعتمدون على الأراضي الجافة التي تقل قليلا عن نصف مساحة اليابسة في العالم.
وخلصت الدراسة إلى أن تزايد الجفاف المتوقع نهاية القرن الحالي، بفعل التغيرات المناخية، سيخل بالاتزان بين الكربون والنيتروجين والفوسفور، ويفضي إلى فك ارتباط دورات العناصر الثلاثة، ما يؤثر سلبا على خصوبة التربة، ويهدد معايش أكثر من 38% من سكان الأرض، كما ذكرت الدراسة المنشورة 30 أكتوبر في مجلةNature’‘ ‘.
شارك في الدراسة مجموعة بحثية دولية كبيرة (54 باحثا)، بينهم باحثون من المنطقة، يقودهم مانويل دلجادو باكيريزو، الأستاذ بكلية العلوم التجريبية والتكنولوجيا بجامعة ‘ري خوان كارلوس’ في إسبانيا.
وخص باكيريزو موقع SciDev.Net بقوله: ”فك الارتباط بين دورات مغذيات التربة الزراعية، قد يكون أسرع عندما نقترب من الأماكن الأكثر جفافا، مثل تلك التي وجدت في مواقع الدراسة بشمال أفريقيا والشرق الأوسط“.
ولدى المقارنة بمناطق أخرى أقل جفافا في العالم، فإن المنطقة -كما يعدها باكيريزو- ”من النظم البيئة الجافة ذات الغطاء النباتي الملحوظ، أو في نطاق النظم البيئية الوسطى، أي بين الجافة وشبه الجافة“.
ورغم صعوبة مواجهة الاستنزاف المستمر للكربون والنيتروجين الناجم عن تزايد الجفاف، والمرتبط بانخفاض في الغطاء النباتي، يرى باكيريزوأن”أنشطة الترميم في الأراضي الجافة، وحماية الأماكن الأكثر جفافا –القاحلة- قد يساعد على إبطاء الآثار السلبية. وهذا التوجه يمكن استخدامه بالمنطقة“.
ومع تنبؤات بانخفاض رطوبة التربة بنسبة تتراوح بين 5-15% في المدة 2080-2099، تتوقع الدراسة أن تفاقم هذه العمليات من معدلات تدهور الأراضي، والتصحر، سينخفض تركيز النيتروجين والكربون، ما قد يحد كثيرا من النشاط النباتي، ونشاط الكائنات الميكروبية الدقيقة، ما يضعف نمو النباتات.
من أجل قياس محتوى التربة من النيتروجين والكربون والفوسفور بالأراضي الجافة (41% من اليابسة)، حلل الباحثون عينات 224 موقعا، مأخوذة من قارات العالم، بواقع 16 موقعا لكل قارة باستثناء القطبية الجنوبية (أنتركتيكا).
وأظهرت نتائج التحاليل تأثيرا سلبيا باختلال نسبة كل من الكربون والنيتروجين إلى الفوسفور الذي يزيد مع الجفاف، الأمر ذو التداعيات الخطيرة على النظم البيئية والتنوع الأحيائي.
ووفقا للدراسة فإن انخفاض تركيزات النيتروجين والكربون كلما صارت التربة أكثر جفافا، يمكن أن يقلل من الغطاء النباتي، والذي يكون له آثار خطيرة على خدمات النظام البيئي.
ففي ظل عدم توافر الرطوبة والمياه، وانحسار الغطاء النباتي، تنشط العمليات الجيوكيماوية -مثل تجوية الصخور- التي تزيد من إنتاج الفوسفور، في حين تتراجع العمليات الحيوية –مثل تحلل النفايات والبناء الضوئي- التي تزود التربة بالنيتروجين والكربون.
أيضا يحد ضعف محتوى التربة من النيتروجين من قدرة النباتات على تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى مركبات عضوية -مثل السكريات- عن طريق التمثيل الضوئي، ما يؤدي إلي تغير أكبر للمناخ، كما أوضحت الدراسة.
ورغم ارتفاع مستويات الفوسفور، لن تستفيد النباتات منه؛ إذ يرتبط الإنزيم المسؤول عن امتصاصه من خلال الجذور بتوافر النيتروجين.
ورغم أن هذه الدراسة اختبرت مواقع في تونس والمغرب، إلا أنها”جرس إنذار للمشرق العربي الذي ستكون خسائره الزراعية أشد، فالمتوقع أن يكون أكثر تضررا من الجفاف؛ لأن ترباته الزراعية قليلة الجودة والخصوبة أصلا“، مثلما هو الحال بصحراء النقب التي شملتها الدراسة، كما يقول لموقع SciDev.Net التونسي محمد الشايب، المشارك بالدراسة.
ويضيف الشايب:”يجب أن تتكاتف الجهود العلمية والبحثية لمجابهة سيناريوهات التغيرات المناخية المستقبلة المتوقع حدوثها في الدول العربية، المتمثلة في انخفاض معدل سقوط الأمطار وارتفاع درجات الحرارة وتقلص الغطاء النباتي وتدهور في القيمة الغذائية للتربة.. وهي قادمة لا محالة“.
”قد يتم هذا بإقامة شبكة عربية للباحثين والمؤسسات العلمية ذات الصلة بتتابعات التغير المناخي على الإنتاج النباتي والحيواني، والبدء في إعداد برامج ومشروعات علمية مشتركة في هذا الاتجاه“، وفق الباحث بوحدة أبحاث التنوع النباتي والأنظمة البيئية في البيئات القاحلة بكلية العلوم في جامعة صفاقس التونسية.
”وذلك بإنشاء بنك عربي للموارد الوراثية، يمكن استخدام الأصناف النباتية الموجودة به في استنباط سلالات من المحاصيل لمقاومة الجفاف والتصحر، والتي سوف تساعد بدورها في الحفاظ على الغطاء النباتي للتربة“.
موقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط