حينما يعتلي أحد الثعابين شجرة، فإنه يلف نفسه بقوة شديدة حول الجذع للتشبث بالأشجار تعادل خمسة أضعاف القوة المطلوبة لذلك، حسبما كشفت دراسة جديدة.
للمرة الأولى قاس علماء في الأحياء القوة التي تبذلها الثعابين أثناء صعودها الأشجار، باستخدام أدوات استشعار للضغط وضعت أعلى أنبوب عمودي ملفوف في قبضة مضرب التنس.
وتشبثت جميع الثعابين العشرة التي خضعت للدراسة بالأنبوب بصورة أقوى مما هو ضروري لكي تدعم وزنها.
ويشير هذا البحث إلى أن الثعابين تعطي أولوية للسلامة على الكفاءة، وهو ما يجعل سقوطها أمرا غير محتمل قدر الإمكان.
وقال الدكتور غريغ بايرنز، الذي أجرى التجارب في جامعة سينسيناتي وهو يدرس الآن في جامعة سينا كوليدج في ولاية نيويورك إن “الأمر المثير للاهتمام في هذا هو اختيار الحيوان (الثعبان) بأن يبذل أكثر مما مطلوب لذلك”.
تمثل هذه الدراسة، التي نشرت في دورية “بيولوجي ليترز”، أول إشارة على أن الثعابين تراعي بشدة “عامل السلامة” أثناء الصعود.
تموجات الضغط
وقال الدكتور بايرنز لبي بي سي “لم نكن متأكدين من أن هذه ستكون هي الطريقة (التي تلجأ إليها الثعابين للتشبث بالأشجار). في مجالات بيولوجية أخرى، يمكنك أن ترى عوامل سلامة كبيرة”.
وأوضح أن العناصر الهيكلية مثل العظام تكون غالبا أقوى مما هو ضروري لمقاومة الحمولات اليومية.
وأضاف “لكن هذه هي المرة الأولى التي يجرب فيها شخص بالفعل شيئا تختار خلاله الحيوانات أن تمنح نفسها عامل سلامة”.
وخلال هذه التجربة، راقب الدكتور بايرون وزميله البروفيسور بروس جين أنواع من الثعابين وهي تصعد على أنبوب مجهز خصيصا لهذا الأمر ومزود بأدوات لاستشعار الضغط وملفوفة في شريط لمضرب التنس ليسهل على الثعابين بعض الشيء مواصلة الصعود عبر الأنبوب”.
وقال الدكتور بايرنز “هذا يمثل تحديا كبيرا جدا بالنسبة لها (للثعابين)، لكن إذا وضعت أمامها مطبات وأشياء أخرى، فإنه يمكنها دعم وزن جسمها على الأسطح غير العمودية، وهذه طريقة للتأكد من أنه يمكنها التشبث بها”.
واستخدمت الثعابين، التي تضم ثلاثة أفاعي من نوع البوا وأفعي خضراء تعيش على الأشجار، أسلوب معين في الصعود، تنتقل خلاله تموجات العضلات المضغوطة، التي تجعل الثعبان يتشبث بالأنبوب العمودي بقوة، عبر امتداد طول جسمه في حين تتسع المسافات الفاصلة تدريجيا.
وأثناء صعودها، سجلت أدوات الاستشعار كمية الضغط التي تتعرض لها الثعابين على امتداد الأنبوب.
ونظرا لأن التسلق يعد عملا شاقا، والثعابين لديها قدرة ممتازة على ضغط جسمها بإحكام، فإن الأفاعي تخفف من قبضتها على فريستها عندما تشعر بتوقف ضربات قلب الفريسة، و يتوقع الباحثون أن تستخدم الثعابين قبضة قوية بما يكفي فقط للحفاظ على حركتها.
وكانت المفاجئة بالفعل هي أن كل ثعبان كان يراعي بشكل كبير عامل السلامة من خلال ضغط جسمه من مرتين إلى خمس مرات أكثر مما ينبغي.
وتشبه هذه الاستراتيجية ما يحدث عندما يمسك الشخص أشياء ثقيلة أو صعبة، حيث أظهرت الأبحاث أن الشخص يميل إلى استخدام قوة تتراوح بين مرتين وأربع مرات أكثر من اللازم.
وقال الدكتور بيرنز إن هذا الأمر مفهوم، مضيفا: “تخيل أنك تريد أن تقفز جدولا صغيرا، فما هي المسافة التي ستبعد بها نفسك عن الجدول؟ هل ستكون قريبا من الجدول أم تذهب بعيدا قدر المستطاع؟”
وأردف: “أو إذا كنت تمسك كوبا من الزجاج من الجزء العلوي بإصبعين، فما مقدار الضغط عليه مقارنة بما يحتاجه الأمر؟”
يعني استخدام هذه القوة الإضافية أنه إذا تغير الوضع، فإن الثعبان لن يسقط. في أوقات معينة أثناء الصعود، يكون العديد من الثعابين قادرة على دعم وزنها بالكامل عن طريق الالتفاف لحلقة واحدة حول الأنبوب.
وكانت بعض الثعابين خائفة من الصعود في المقام الأول.
وقال بيرنز: “وضعنا اسطوانة مظلمة عند القمة، حتى تتمكن من الصعود بأمان. كانت بعض الثعابين جيدة للغاية، ورأت الأسطوانة وتوجهت إليها مباشرة، أما البعض الآخر ففضل محاولة لدغك بدلا من محاولة الصعود”.
BBC