تنتج الكائنات الحية في الطبيعة أجزاء جسمها التي تتحول إلى مواد معدنية، مثل العظم، والأسنان، والقشور الصدفية، من مصادر أتاحتها لها بيئتها، وتوجد كائنات بحرية قادرة على بناء قشورها من بلورات كربونات الكالسيوم التي تبنيها بنفسها من الأيونات الوافرة في مياه البحر .
لارا إيستروف، أستاذ مشارك في علم المواد والهندسة في جامعة كورنيل الخاصة في مدينة إيثاكا في نيويورك، تقول “تحول الكائنات البحرية الكربونات الهشة إلى أشكال هيكلية تحميها من الأعداء المتربصين بها، ومن الاصطدام بالصخور القريبة منها .
وهناك اهتمام علمي متزايد بالآلية التي تتبعها هذه الكائنات للتحكم في نمو البلورات، وبالبحث عن آلية تقوية القشور الصدفية، خاصة إذا ما قورنت بمكوناتها الأساسية الهشة” .
وتهتم إيستروف وغيرها من الباحثين بتوليف هذا النوع من علم الأحياء في المختبر لإنتاج مواد عضوية وغير عضوية جديدة، تحاكي التحول المعدني الطبيعي الحاصل في الطبيعة، ومن ثم يمكنهم فهم أعمق لآلية حدوث هذه العمليات الطبيعية .
تقول إيستروف “نبذل جهودنا لاستكشاف آليات عمل الكائنات الحية، واستنساخ هذه الآليات في المختبر، وتركز بعض هذه الجهود في إنتاج أجهزة بسيطة، لنتمكن بها من تحفيز الآليات الأكثر تعقيداً التي تحدث طبيعياً، فيما بعد . ولا يعني ذلك أننا نستنسخ الطبيعة في مختبرنا، لكننا نتعلم منها بغية إنتاج مواد جديدة” .
ويركز بحث إيستروف الأساسي على اكتشاف دور المادة الهلامية في تكوين البلورات، فتقول إن الهلاميات المائية التي تصنع في الماء، مثل Jell-O، تدخل في عدد من الأنظمة البيولوجية الطبيعية، منها تكوين صدف أم اللآلئ في محار الرخويات، ومينا الأسنان في الثدييات، حتى غبار الأذن ( بلورات صغيرة من كربونات الكالسيوم في أذن الإنسان، تحفز خلايا السمع عند تسريعها في خط مستقيم) . وهذه المواد تتكون من مواد عضوية وغير عضوية، وغالباً تتكون المادة العضوية من الهلام، وتسعى إيستروف لاكتشاف الهدف منها .
فهل لهذه الهلاميات المائية دور متميز في توجيه نمو البلورات، وهل تتغير خصائصها، وما مدى مسؤوليتها عن إنتاج المركبات العضوية وغير العضوية، أسئلة تحاول إيستروف الإجابة عنها .
وبحسب الهيئة القومية للعلوم “NSF” فالتحكم في نمو البلورات له أهميته البالغة في العديد من المجالات الصناعية، وفي مقدمتها صناعة الدواء، لأن عقاقير كثيرة تأتي في صورة بلورية، تضيف إيستروف “من المهم أيضاً كيفية تعديل خواص البلورات الذوبانية وكيفية تجمعها في شكل أقراص دوائية، كما يمكن عبر التحكم في نمو البلورات تصنيع مواد بيولوجية خاصة بالعظام وبإصلاح الأسنان، وفي تصنيع مواد غير عضوية أكثر وظيفية، مثل مواد تعزز تخزين الطاقة في البطاريات .
ويركز المشروع الذي تتبناه إيستروف على مراقبة ورصد البلورات الفردية الدقيقة المكسوة بألياف البوليمر، والجزيئات الدقيقة الأخرى في الطبيعة وداخل المختبر أيضاً، ويهدف المشروع إلى فهم آليات اندماج شبكات البوليمر في البلورات الفردية الدقيقة .
وتحاول إيستروف الإجابة عن ثلاثة أسئلة مهمة عبر دراستها آليات نمو البلورات في المواد الهلامية، داخل مختبرها، وعلاقتها بتحولها البيولوجي إلى مواد معدنية، الأسئلة الثلاثة تتعلق بالتركيبة الداخلية لهذه البلورات، ومكان احتجاز المادة الهلامية، بما يتيح للعلماء فهم آلية احتجازها للتحكم في العدد المحتجز، ومدى تأثير المادة في الخواص الميكانيكية للبلورات، وفي سعيهم وراء الإجابة عن هذه التساؤلات، طور فريق إيستروف نظيراً اصطناعياً للنظام البيولوجي، وباستخدام مادة هلامية تعرف باسم “أغاروز”، وتمكنوا من إنتاج بلوراتهم الخاصة داخل المختبر، ثم قارنوها بالبلورات المنتجة من دون مادة هلامية في محلول مائي عادي، ثم قارنوها فيما بعد ببلورات طبيعية حيوية .
وخلال العملية، أجرى الفريق رسماً سطحياً إلكترونياً لعيناتهم، فحصلوا على صورة نقية ثلاثية الأبعاد لبلورات المادة الهلامية، وكانت تلك المرة الأولى التي يتمكن فيها العلماء من رؤية اندماج الطور غير العضوي في البلورات، وهي عبارة عن سبيكة مرتبة من الأيونات، والبوليمر سائل متخبط السلوك، فكيف يمكن التوفيق بين هذا السائل المتخبط ودمجه في السبيكة الأيونية؟
عندما قارن الفريق بين بلوراتهم الاصطناعية وبين البلورات الطبيعية، وجدوا تشابهات واختلافات بينها، بحسب إيستروف التي تضيف “لدينا الآن صورة جلية تعكس آلية اندماج هذه المواد، ويمكننا الآن البحث عن تفسيرات متعلقة بالعلاقات بين الخصائص التركيبية، بما فيها كيفية ترجمة التركيب الداخلي للتغيرات في الخصائص الميكانيكية، ونتحرى الآن البلورات بحثاً عن أجوبة .
واتضح للباحثين أن هذه المدمجات العضوية تقوي ميكانيكياً المادة في البلورات الطبيعية والاصطناعية، فالمادة العضوية المحتجزة داخل البلورات تقويها وتجعلها أكثر مقاومة للكسر، لتتفوق بذلك على أقرانها غير المحتوية على مادة عضوية، بحسب إيستروف .
ويهدف الباحثون في الخطوة المقبلة إلى تحضير مواد أخرى، وتقول إيستروف “نريد اكتشاف إمكانية تطوير أنواع مختلفة من البلورات في أنواع مختلفة من المواد الهلامية” .
جريدة الخليج