كشفت دراسة حديثة أجراها خبراء المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) أن بعض أنواع نخيل التمر الشائعة يمكن أن تستفيد من مستويات ملوحة مياه الرّي المنخفضة إلى المتوسطة. نُشرت الدراسة في دورية Frontiers in Sustainable Food Systems ، وهيمجلة مفتوحة ومُحكَّمة بمعامل تأثير 4.7، وقدّمت رؤى جديدة حول العلاقة بين ملوحة مياه الريّ ومدى استجابة أنواع نخيل التمر. وتُبشِّر هذه النتائج الهامة بإدارة أكثر استدامة للمياه في إنتاج نخيل التمر في الظروف البيئية القاسية.
قالت الدكتورة طريفة الزعابي، المدير العام لإكبا: “يُعتبر نخيل التمر عنصرًا رئيسيًا في نظم الأغذية الزراعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث يساهم إنتاج التمر في إيجاد فرص العمل وتحقيق الدخل في القطاع الزراعي. لذا، فإنه من الضّروري إيجاد حلول فعَّالة للتعامل مع حالات الإجهاد الحيوي وغير الحيوي التي تعوق زراعة نخيل التمر. وقد وجّه هذا الأساس المنطقي برنامج إكبا البحثي حول نخيل التمر منذ العام 2001 حيث أجرى مركزنا تجارب مختلفة في دولة الإمارات العربية المتحدة لتحديد مدى التأثير طويل الأجل للريّ بالمياه المالحة على نمو نخيل التمر وإنتاجيته وجودة ثماره وتأثير الملوحة على التربة. وقد أُجرِيت الدراسات على 18 صنف من نخيل التمر من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بما فيها عجوة المدينة، والخلاص، واللولو. وتظهر النتائج حتى الآن أنه من الممكن زراعة أصناف من نخيل التمر التي تتحمل الملوحة باستخدام المياه المالحة ومن خلال تطبيق أفضل الممارسات في إدارة الملوحة”.
وخلال تجربة أجراها إكبا، قيّم الخبراء تأثير الريّ بثلاث مستويات من المياه المالحة (5، 10، 15،) ديسي سيمنز/متر على جودة ثمار خمسة أصناف: اللولو، والسكري، والفرض، وعجوة المدينة، والخلاص. وقد اختيرت هذه الأصناف لأنها من أكثر الأصناف وفرةً في السوق بدولة الإمارات العربية المتحدة والمفضّلة لدى المستهلكين.
حُصدت هذه الثمار في المرحلة الأخيرة من نضجها (التمر)، وقورنت بالتمر الموجود في السوق من حيث المعايير الفيزيائية مثل الوزن والحجم والأبعاد واللون ومستويات البروتين والسكر والصوديوم والبوتاسيوم.
تضّمنت الدراسة كذلك استبيان لتقييم تصوّرات المستهلكين لجودة نخيل التمر وبشكل خاص سمات مثل الملمس والنكهة والرائحة والطعم واللون والشكل باستخدام مقياس من خمس نقاط.
وبينما وُجد أن الملح ضار لبعض الأصناف، كان له تأثير عكس ذلك على بعض الأصناف الأخرى.
أظهرت نتائج التجربة بأن محتوى السكر في تمور الخلاص وعجوة المدينة واللولو المرويّة بمستوى ملوحة مياه 5 ديسي سيمنز/متر مماثلًا للأصناف التجارية المتوفرة في السوق. كما كشف الخبراء كذلك بأن الريّ بمستوى ملوحة مياه 10 ديسي سيمنز/متر له تأثير إيجابي على أصناف تمور السكري وفرض وعجوة المدينة وزيادة محتوى السكر فيها.
وكشف استبيان تفضيلات المستهلكين بأن الصّفات الحسّية مثل النكهة والرائحة والطعم واللون والمظهر عند مستوى الملوحة 5 ومستوى الملوحة 10 ديسي سيمنز/متر كانت مماثلة لتلك الموجودة في التمور المرويّة بالمياه العذبة والمتوفرة في السوق.
وعمومًا، أكدّت الدراسة بشكل واضح أن الملوحة العالية تؤثر بشكل سلبي على نخيل التمر. ومع ذلك، فقد ثبت بأن إجهاد الملوحة يمكن أن يزيد من تركيز السكر في أصناف محدّدة. ويعتبر هذا اكتشافًا مهمًا للمزارعين الذين يرغبون في زيادة دخلهم من إنتاج نخيل التمر في الظروف المالحة، حيث يجب اعتبار محتوى السكر أحد معايير البيع الرئيسية في السوق.
من جانبه قال الدكتور زياد همامي، خبير زراعي في إكبا والمؤلف الرئيسي للورقة البحثية: “تُشير النتائج التي توصلنا إليها إلى وجود تباين ملحوظ في استجابة الأصناف لملوحة المياه. كما أنها تتماشى مع نتائج بحوث سابقة توضح بأن الإجهاد الحيوي مثل الملوحة وندرة المياه خلال مراحل نمو محددة قد تعزز جودة الثمار، بشرط زراعة الصنف المناسب واتباع الممارسات الزراعية السليمة. نأمل أن تساهم هذه الدراسة في فهم أفضل لكيفية استجابة نخيل التمر للمياه وضغط الملوحة وتوجيه الجهود لتعزيز ريّ نخيل التمر وإدارة المياه في البيئات الصحراوية”.
بينما لإنتاج نخيل التمر أهمية ثقافية واقتصادية واجتماعية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أنه مقيّد بمجموعة من العوامل، بما في ذلك ندرة المياه والملوحة. فحوالي 90 في المئة من أشجار نخيل التمر في العالم تُزرع في المنطقة التي يعتمد فيها العديد من المزارعين بشكل كبير على إنتاج نخيل التمر لكسب عيشهم. وتتركز أعمال إكبا البحثية حول تطوير حلول متكاملة لإدارة نخيل التمر وتحسين سبل عيش منتجي التمور في المنطقة وخارجها.