يمكن للمرء أن يُذهل بتلك الزهور الأرجوانية وأوراقها الخضراء الكبيرة الزاهية التي تطفو على سطح المياه، لكن بطول جذورها الغارقة عميقاً في نهر الفرات، تهدد «زهرة النيل» العراق، ولقبه المعروف منذ القدم باسم «بلاد الرافدين».
تمتص كل زهرة يومياً ما بين أربعة إلى خمسة ليترات من الماء، ويمكنها أن تجفف موارد المياه في واحد من الدول الأكثر حرّاً في العالم. ولا توفر هذه الزهرة شيئاً، من أهوار المياه المدرجة على لائحة التراث العالمي لليونيسكو، إلى الأسماك والصيادين والمزارعين وحتى مياه الشرب. وفي زمن وباء «كوفيد – 19»، والحظر التام في العراق، لم يتبق الكثير من الأيدي العاملة لمحاولة وقف انتشارها. ولأن المظاهر خدّاعة، فإن «زهرة النيل» الأنيقة التي تم إدخالها إلى العراق قبل نحو 20 عاماً، بعدما انتشرت في كل مكان في العالم تقريباً، تختنق تحتها كل حياة.
تعود أصول هذه النبتة إلى أميركا الجنوبية، وهي قد أثّرت سلباً على أنظمة بيئية عدة، من نيجيريا إلى سريلانكا، مروراً بكينيا وجنوب غربي فرنسا أيضاً.
وتشكّل أوراق هذه النبتة، المدرجة منذ عام 2016 في قائمة المفوضية الأوروبية للنبات المجتاح الذي يجب السيطرة عليه، طبقة معتمة على سطح الماء، مما يقلل من كمية الأوكسيجين التي تصل إلى مختلف الأنواع التي تعيش في المياه، حتى اختفائها بالكامل.
وليست الثروة السمكية التي تتأثر فقط، ولا جفاف المياه التي تفقد أيضاً معظم مكوناتها، ولكن الزهرة تُضعف أيضاً الإنشاءات المحيطة، إذ إن مئة متر مربع من «زهرة النيل» تزن أكثر من خمسة أطنان! ففي قرية البدعة، يبدو الجسر الممتد على نهر الفرات، وكأنه بناء غريب على حقل أخضر هائل.
ويقول شيخ إحدى عشائر القرية، ويدعى جليل العبودي، لوكالة الصحافة الفرنسية إنه «إذا استمرت زهرة النيل في النمو، فسوف ينهار الجسر وسد البدعة»، ويحرمان مناطق عدة من المياه من محافظة ذي قار إلى البصرة على امتداد مئات الكيلومترات. ومع انعدام الخدمات العامة، يرى العبودي بالفعل أسوأ سيناريو، بين إهمال البنية التحتية وغياب السياسة البيئية في بلد دخل أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث.
عن “الشرق الأوسط”