تعتبر مبادرة «دراجتي» السعودية خطوة تطوعية فريدة من نوعها، على رغم أن عمرها لا يتجاوز ثلاثة أعوام. انطلقت المبادرة عام 2012 بفكرة صغيرة انبثقت من شخصين يتجاذبان أطراف الحديث في منطقة الدرعية (شمال غرب الرياض)، أحدهما اصبح مؤسساً للمجموعة لاحقاً، وهو عبدالله الوثلان، وهدفا من الفكرة الى نشر ثقافة رياضة ركوب الدراجة الهوائية رغبة في تحقيق صحة وبيئة أفضل في المجتمع. ثم تُرجمت هذه الفكرة إلى مشروع واقعي «تطوعي» كانت نقطة انطلاقه من الرياض ومنها امتد إلى مناطق المملكة وخارجها كافة.
أصبحت المجموعة تضم أكثر من 3000 عضو، ولم يعد نشاطها يقتصر على رياضة ركوب الدراجة فحسب، بل انطلق إلى فضاء أوسع، ليتضمن مساهمات تطوعية وتوعوية مجتمعية، ومشاركات في فعاليات هادفة، وتنظيم حملات تثقيفية ومسابقات ماراثونية تحت مظلة مركز الأمير سلمان للشباب بصفته الشريك الإستراتيجي الداعم لمبادرة الفريق معنوياً ومادياً ولوجستياً.
ويقول مدير المبادرات الشبابية في مركز الأمير سلمان سهيل الرزين: «يحرص المركز على دعم المبادرات التطوعية التي تعود بالفائدة على الفرد والمجتمع، ويتمثل دور المركز الرئيس في تمكين الشباب وتطويرهم وتوجيههم من خلال الوسائل المتاحة، من أجل إعطاء الفرصة لأفكارهم وإبداعاتهم وخلق منصة لدعم مشاريعهم وتطبيقها على أرض الواقع. ومجموعة دراجتي السعودية هي فريق تطوعي، من ضمن المبادرات التي يدعمها المركز ويقدم لها التسهيلات كافة، لما لها من أثر إيجابي في تطوير المجتمع».
وأرجع مؤسس مجموعة «دراجتي» وعضو الاتحاد السعودي للدراجات عبدالله الوثلان سبب انتشار المبادرة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، إذ كان عدد الأعضاء لا يتجاوز 15 شخصاً، فيما وصل العدد حتى اللحظة إلى 3001 عضو، كاشفاً عن أن الرقم واحد بعد الثلاثة آلاف يعود لعضوية أمير منطقة الرياض تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز، الذي قدم الدعم والتشجيع لأعضاء الفريق كافة.
وبيَّن أن الفئات العمرية للأعضاء تتراوح بين 15 إلى 62 عاماً، «منهم الأساتذة والمهندسون والأطباء وغيرهم»، مبيناً أن الانضمام إلى المجموعة متاح وميسر لمن لديه الرغبة عبر حساب دراجتي على «تويتر»، لافتاً إلى عزم المبادرة مستقبلاً في إتاحة الفرصة للنساء لممارسة هواية ركوب الدراجة الهوائية، ودمجها بالعمل التطوعي في أماكن مخصصة لهن وفق الضوابط والأعراف.
ويذكر الوثلان لـ «الحياة» جملة من إنجازات مجموعة دراجتي المجتمعية، وهي أكثر من 70 مشاركة خلال عام واحد فقط، منها مبادرات توعوية، ومنها ما يواكب الأحداث أو المناسبات الرسمية، مثل المشاركة في مسيرة ذكرى بيعة خادم الحرمين الشريفين، وماراثون اليوم الوطني الـ84 للمملكة، الذي انضم إليه نحو 600 مشارك، وكذلك مشاركة الشعب الإماراتي في ذكرى يومه الوطني، إضافة إلى خدمة المجتمع في مجالات عدة، منها تفعيل حملة التبرع بالدم، وكانت وصلت أعداد المتبرعين في اليوم الواحد إلى 500 متبرع، كما تم إطلاق حملة حول الخليج للتوعية بسرطان الثدي نفذها عضو في الفريق بدراجته، واستغرق في رحلته مدة 17 يوماً قطع خلالها مسافة 3000 كلم.
وقال الوثلان: «قدمنا مساعدات لمن يعانون من هذا المرض ونشرنا الوعي في مكافحته، وشاركنا أيضا في التوعية بأضرار التدخين والمخدرات، وكذلك المساهمة في أسبوع المرور الخليجي الموحد، وحملة التوعية بأضرار استخدام الهاتف الجوال أثناء القيادة، وكانت لدينا في شهر رمضان أيضاً مبادرات خيرية تمثلت في تقديم وجبات إفطار صائم، والتشجيع على حفظ القرآن من طريق منح مكافآت مالية». ومن مساهمات الأعضاء الإنسانية التطوع في البحث عن الطفل المفقود صالح حيث جابت مجموعة من الشباب أحياء عدة في مدينة الرياض بحثاً عنه بواسطة الدرجات.
وأضاف: «قمنا بتنفيذ محاضرات تثقيفية وإنتاج أفلام توعوية عبر «يوتيوب» للحث على أهمية الرياضة بشكل عام والدراجات الهوائية بشكل خاص». ولفت الوثلان إلى أن مجموعة دراجتي تعمل في الفترة الحالية على تنظيم سباق ماراثوني لأكبر تجمع من الشباب في منطقة الرياض بعد نحو شهرين.
وعن المشكلات التي يواجهونها، يشير الوثلان إلى افتقار نظام المرور إلى التحديث، فيقول «لا يوجد في مجتمعنا أنظمة مرور خاصة بقائد الدراجة أو وسائل سلامة وحماية له من أي أضرار قد تلحق به». ويلفت إلى «أكبر مشكلة واجهتهم» في بداية إطلاق المبادرة «تمثلت في كيفية تغيير النظرة السلبية للمجتمع تجاه راكب الدراجة». وقال:» كانت تقتصر نظرة المجتمع قبل ثلاثة أعوام على أن قائد الدراجة لا يتعدى أن يكون فرداً من العمالة أو أحد الأطفال، بينما إن تعدى ذلك أصبح الوضع مستهجناً ولا يلقى قبولا من الناس».
ومع بعض الوقت تغيرت هذه النظرة وأصبحت الدراجة أمراً مألوفاً نسبياً، وقال الوثلان:»استطعنا أن نغير هذه الثقافة السائدة بواسطة الدراجة وطبقنا شعار «يمكنك تغيير العالم بدراجتك»، فبات الأستاذ يمتطي دراجته ذاهباً إلى مدرسته أمام طلابه، والطبيب والمهندس أيضاً، إضافة إلى أن كثيراً من أعضاء الفريق شفي تماماً مما يعانيه كالسكري أو أوجاع أمراض الظهر والأرجل، ومنهم من استطاع أن يخفف وزنه… كل ذلك بفضل ممارسة رياضة ركوب الدراجة مع اتباع نظام حمية فقط. هكذا ساهم الأعضاء في تغيير أنفسهم ثم أهلهم وأصدقائهم إلى أن غيروا مجتمعهم».